تجمع الناس على رصيف الميناء في انتظار تحميل بضائعهم وحقائبهم على ظهر السفينة ( أحلام ) التي ستغادر في مساء هذا اليوم … نظر أيمن لساقيه وهو منهك وحزين يدفعه والده على كرسي متحرك بأربع عجلات وإلى جواره تمشي والدته صامتة وقد احتبست الدموع في عينها حزناً على أيمن وفراقه لها . تعثرت عجلات الكرسي في صخور الميناء اهتز أيمن على إثرها وهو صامت يستمع لحديث والده يخاطبه قائلاً : لم أشأ أن تسافر إلى جدك ولكن هذه رغبتك .. حتى الأطباء نصحوني بذلك .. ولكن لتعلم أنني ووالدتك لا نستطيع أن نبتعد عنك ليوم واحد لا لشهر كما طلبت .
وبعد أن ودعاه جلس أيمن في غرفته وحيداً ينظر لساقيه شاردا ببصره يتذكر كيف كان يجري بهما هنا وهناك ولقبه أفضل رياضي في لعبتي التنس والسباحة .. وتذكر يوم الحادث كان راكباً دراجته متوجهاً إلى المنزل بعد انتهاء تدريب السباحة وقبل أن يصل إلى المنزل أقدمت سيارة مسرعة أصيب سائقها بنوبة قلبية فصدمت السيارة أيمن وأُصابته بالشلل ..الأطباء قالوا إنها حالة مؤقتة وأنه سيمشي من جديد على أن يباشر العلاج الطبيعي لكن مرت ستة شهور من العلاج بعد الحادث دون بصيص أمل .
وصلت الباخرة إلى وجهتها بأمان وكان في استقباله جده " حسين " ووكيل أعماله وصديقه الوفي" سليم " استقلوا السيارة متوجهين إلى المزرعة أخذ الجِد يُخبر حفيده عن التغيرات التي حدثت في المزرعة ليُسرّي عن أيمن .
استمع أيمن بعدم انتباه إلى أن قال له جده : " إن بانتظارك عمل مهم في المزرعة
رد أيمن مستغرباً : " عمل ؟ " ثم استطرد قائلاً : " أي عمل هذا وأنا جالس على هذا الكرسي ؟ " .. رد عليه جده مبتسماً : " ستعرف حين نصل إلى المزرعة الصبر يا أيمن .. بالصبر تنال ما تتمناه " .. هنا أعلن سليم عن وصولهم إلى المزرعة وبعد أن نزلوا من السيارة وجد أيمن جده قد هيأ له قطعة خشبية تساعده على الصعود والنزول للتجول في المزرعة .
وفي صباح اليوم الثاني من وصول أيمن أيقظه جده باكراً ليستنشق الهواء النقي ويستمتع بالمناظر الطبيعية في المزرعة وبعد أن ارتدى أيمن ملابسه انتظر من جده أن يدفع به الكرسي كي يتحرك ولكنه لم يفعل .. قال له جده : " أيمن إنك في السادسة عشر من عمرك ولابد أن تعتمد علي نفسك " .
همّ أيمن بالكلام إلا أن جده لم يسمح له بذلك مكملاً حديثه : " أعرف أنك حبيس هذا الكرسي .. أتعلم شيئاً يا أيمن ؟ ستظل جالساً على هذا الكرسي ما دمت يائساً ومعتمداً على من يقوم بخدمتك " ..
أنهى الجد كلامه وتركه بمفرده أخذ أيمن يروح جيئة وذهاباً بكرسيه ثائراً .. بل إنه فكّر في العودة إلي والديه وفجأة وجد أيمن أن يديه تحركان الكرسي وأنه يتحكم فيه فيحركه للأمام والخلف .. عندئذٍ قرر أيمن أن يبرهن لجده أنه قادر على الحركة دون مساعدة من أحد وأنه على حق وبدأ في التجول وحده في المزرعة .. لكنه حين نظر إلى جده وجده غير مبال به فذهب باتجاه الإسطبل ..
نظر الجد إلى سليم قائلاً : " كنت أعرف أنه قوي وسيعتمد على نفسه " .. رد سليم قائلاً : " لقد كنت قاسياً معه " .. قال : " أعرف ذلك ولكن الدواء المر أهون من المرض الدائم " ..
في هذه الأثناء عندما كان أيمن متجهاً ناحية الإسطبل سمع صوت فرقعة سوط وصهيل شديد اتجه بكرسيه ناحية الصوت فوجد السائس يضرب الحصان بشدة والحصان في قمة الهياج يرفع قوائمه الأمامية ويحركها في الهواء مرتكزاً على قوائمه الخلفية ويرجع بهما إلى الخلف .
ثار غضب أيمن لما رأى فأسرع بكرسيه آمراً السائس بالتوقف عن ضرب الحصان بهذه الطريقة الفجة .. ترك السائس الحصان بعد أن أعياه التعب من ضربه وجذب الحصان إليه من اللجام واستدار لأيمن ناظراً إليه نظرة سريعة وعلى وجهه ابتسامة باهتة وسأله : " لابد أنك أيمن أليس كذلك ؟ " ..
رد عليه أيمن وهو مازال تحت تأثير ما رآه من معاملته للحصان : " نعم .. يبدو أنك حديث عهد بهذه المزرعة " .
رد عليه السائس قائلاً : " نعم لقد استلمت العمل هنا منذ أول هذا الشهر فأنا أعمل هنا مؤقتاً ولن أمكث طويلاً " .. قال جملته الأخيرة وهو ينظر إلى الحصان وفي عينه بريق عجيب . سأله أيمن عن اسمه فقال له : " اسمي شاهين " .
في المساء تكلم أيمن مع جده عن شاهين ومعاملته للحصان هذا الصباح .. فغضب الجد وقال لسليم : " هذه هي المرة الثالثة التي أسمع فيها شكوى من شاهين فقد رآه بعض المزارعين يستخدم السوط بشدة في ترويض الخيل " .. ثم التفت إلى أيمن قائلاً : " إليك الآن المهمة التي ستقوم بها طوال مدة إقامتك هنا سوف تهتم بالأشقر ستطعمه وتسقيه ثلاث مرات في اليوم أفهمت سيحضر لك عمك سليم الأدوات التي ستستخدمها " .
سأل أيمن : " وما هذا الأشقر يا جدي ؟ " ..
رد الجد : " إنه الحصان الذي رأيت شاهين يضربه .. إنه حصان ممتاز من سلالة نادرة وأنوي تدريبه جيداً للاشتراك به في السباق الذي سيقام بعد شهرين " .. هنا قال سليم للجد : " كنت أعلم أنك لن تبيعه لقد اتخذت القرار الصائب " .
كان الحصان بلونه البني الفاتح وشعره الأشقر اسما على مسمى . وطوال الأسابيع الثلاثة التي قضاها أيمن في المزرعة تحسنت صحته وأصبح مرحاً مع جده وعمه سليم وأنساه اهتمامه بالحصان الأشقر عجزه واعتماده على الكرسي المتحرك ذي العجلات الأربعة بل قويت ساعداه ومع تمارين العلاج الطبيعي بدأت الحياة تدب من جديد في ساقيه وقدميه .
وفي أحد الأيام وبينما هو كعادته يطعم الأشقر ويداعبه بقطع السكر والأشقر يمد فمه ليتناول من يده قطع السكر .. رأى سيارة جيب تدخل المزرعة كما رأى شاهين يسرع باتجاهها ويتبادل بعض الكلمات مع سائقها الذي بدا غاضباً من حركة يديه وأشار إلى ساعته وأخرج له ظرفاً أصفر وورقة فتحها وأشار إليه فيها ثم أعطاه إياها واستدار راجعاً .
كان جد أيمن وسليم في هذا اليوم من كل أسبوع يذهبان ليأتيا بحصة العلف والأسمدة ومستلزمات المزرعة . وكان شاهين يثير بداخل أيمن الكثير من التساؤلات فهو لا يقوم بعمله بشكل جيد ولا يهتم لكلام جده ولا مدير المزرعة سليم .. والآن من هذا الرجل ؟ وهل هذا الظرف لجده أم لشاهين ؟ استدار أيمن بكرسيه راجعاً إلى المنزل بعد أن انتهى من إطعام ومداعبة الأشقر .. دخل غرفته لينام قليلاً لكنه سمع صوت تكسير لشيءٍ ما ..
وبعد قليل علا صهيل الأشقر .. وعلى الفور خرج أيمن مسرعاً من غرفته ليستكشف الأمر فوجد أن القطعة الخشبية التي تساعد كرسيه على النزول والصعود مكسورة ورأى شاهين خارجاً من الإسطبل يركض ممسكاً بلجام الأشقر والسوط باليد الأخرى والحصان يأبى التحرك معه ..
نظر أيمن أمامه وجد السلم ثم تراجع عن الفكرة خوفاً من وقوعه لكنه فكر لو عاد إلى الخلف ودفع الكرسي إلى الأمام بسرعة متشبثا به سيكون الضرر بسيطاً .
وبسرعة فعل ذلك ونجح في قفزته بالكرسي ثم أسرع مستديراً بكرسيه باتجاه شاهين والحصان .. وفي هذه اللحظة أفلت اللجام من يدي شاهين وأنطلق الأشقر راكضاً .. أسرع شاهين على ظهر حصان آخر ليمسك بالأشقر وأيمن يحرك كرسيه بكل ما أوتى به من قوة ليلحق بهم .. وقف شاهين ينظر هنا وهناك على صهوة حصانه بحثاً عن الأشقر فلم يجده وكأن الأرض قد ابتلعته .
واصل أيمن التحرك بكرسيه من ناحية أخرى غير التي سلكها شاهين وأسعفه الحظ فوجد الأشقر .. عندها استراح أيمن وهدأت نفسه .. وحين وجده أخذ الحصان يداعبه بفمه وحين هم أيمن بالرجوع هو والأشقر وجد أمامه شاهين مشهراً نحوهما بندقية وأمره بأن يعطيه اللجام .. فصهل الأشقر بشدة وهو يشب على قدميه فجعل الحصان الذي يركبه شاهين يصهل هو الآخر ويشب وينفر حتى أسقط شاهين .. وفي الوقت نفسه رفس كرسي أيمن فأنقلب به ووقع على الأرض وفر الحصان هارباً .
كان سقوط شاهين على صخرة ففقد وعيه في الحال أما أيمن فلم يصب بشيء لكنه لم يقدر علي إعادة نفسه إلى الكرسي .. عندها أخذ الأشقر يلعقه بلسانه ووجد أيمن اللجام متدليا من رقبته فتعلق به حتى وقف على قدميه بوهن شديد في هذه اللحظة سمع أيمن صوت جده وبعض الرجال ينادون عليه فرد عليهم .. ومن ثم عرفوا مكانه وأتوا إليه .. ضم الجد حفيده إلى صدره حامداً الله على سلامته فرحاً بشفائه وحضرت الشرطة فألقت القبض على شاهين متهمة إياه بمحاولة السرقة وتبين أنها لم تكن السرقة الأولى بل كانت له سوابق في أماكن أخري فهو مجرم هارب من أحكام سبق ووقعت عليه .
كما تم القبض علي شريكه الذي حضر إلى المزرعة من قبل فقد تبين أنه وشاهين اتفقا على سرقة الأشقر وبيعه للرجل الذي رفض الجد عرضه لشراء الأشقر ووجدت الشرطة الظرف الأصفر وبه نقود كثيرة كانت عربوناً لشراء الأشقر من هذا الرجل.
بعدها بشهرين التف الجد ووالدا أيمن ومدير المزرعة سليم حول مضمار السباق لرؤية الأشقر وفارسه أيمن الذي تم شفاؤه تماماً وعاد كسابق عهده يمارس التنس والسباحة إلى جانب الفروسية . وانتهى السباق بفوز الأشقر وأخذ المصورون يلتقطون الصور لأيمن والحصان الأشقر .